إحياءً لذكرى الملكة المصريّة
من الممكن أن نعتبر أنّ الكتابة عن تاريخ التصميم الجرافيكيّ العربيّ ما زالت في بداياتها/في مهدها. ومع ذلك، فإنّ انخراطاً بسيطاً في هذا التّاريخ من خلال البحث، يكشف دون مفاجأة عن عدم المساواة في تمثيل النّساء والاعتراف بهنّ. يبدو أنّ الشخصيّات الرئيسيّة المهمّة في ما نعرفه عن ذلك التّاريخ هي في الغالب من الرجال. مثل أغلب المجالات، تعرّضت النّساء عبر التّاريخ للتّهميش والتّجاهل على الصّعيدين الاجتماعيّ والمهنيّ. إنّ هذا الأمر يتجلّى بشكل أكثر وضوحاً وعمقاً في منطقتنا. لذلك، فإنّ النظر بعين واعيةٍ في هذا التاريخ والتّحقيق فيه لا يسعه إلا أن يتساءل: أين هنّ النّساء في تاريخ التّصميم العربيّ؟ من النّاحية الإحصائيّة، فإنّ مجال التّصميم اليوم هو مساحة نسائيّة، ومع ذلك، فإنّ تحليلاً بسيطاً للأدوار الّتي تشغلها النّساء يكشف أنّه كلّما صعدتَ في السلّم الوظيفيّ، وجدتَ عددًا أقلّ من النّساء في المناصب العليا إذا ما قورنت بالرّجال، وهذه ليست بالضّرورة ظاهرة إقليمية، إنّها ظاهرة موجودة في كلّ أنحاء العالم.
ومع ذلك ، فإنّ من الأهميّة بمكانٍ أن نعي وندرك أنّ المرأة العربيّة قد تمّ تشويهها بشكل ممنهج وإخفاء مساهماتها في هذا التّاريخ الضّبابيّ أصلاً، ولم يزل هذا يحدث حتّى يومنا هذا.
تهدف هذه المقدّمة المقتضبة إلى الاعتراف بالتّحيّز الضّمنيّ للرجال في المناصب القياديّة، كما أنّها تهدف إلى تشجيع المزيد من الأشخاص على استكشاف المزيد من النّساء المصمّمات ومشاركة قصصهنّ. قد لا تكون مهمّة سهلة، خاصّة وأنّ هذا التّجاهل الممنهج في التّوثيق والاعتراف بالنّساء حدث في عصورهنّ ولأسباب أكثر تعقيدًا في بعض الأحيان، ومع ذلك، يتعيّن علينا التّعامل مع هذه الصّعوبة لضمان تمثيل صادق ومتساوٍ وعادل لهنّ في تاريخنا.
من الممكن أن يكون ذلك أيضاً دعوة لنا لفحص معاييرنا الحاليّة، وربّما يتطلّب منّا أن نفكّر بشكل أعمق في تحيّزاتنا الّتي لا ندركها /الغير واعية/الغير مدرَكة. نحن نقوم حاليًّا ببناء قانون التّصميم الخاصّ بنا، لذلك، دعونا نبنيه بوعي.
إنّني أعمل مؤخّراً على أرشفة تصاميم الأغلفة العربيّة وإتاحتها للجمهور بحيث يمكن استخدامها من قبل الطّلاب والباحثين لأغراض البحث والمرجعيّات الأخرى. خلال تلك الرّحلة، برزت بعض الأسماء النّسائيّة عدّة مرات في بعض الأغلفة الّتي أقوم بتوثيقها وأرشفتها، لكنّ اسمًا واحدًا ظلّ يتردّد في العديد من المرّات، ولم يسعني إلّا أن أتساءل: مَن تكون سميحة حسنين.
من خلال بحث سريع في الشّبكة العنكبوتيّة، ستجد، أو بالأحرى لن تجد أيّ شيء عن سميحة حسنين. لا عن عملها، أو إنجازاتها، أو مناهجها الدراسيّة، أو أيّ شيء آخر، عدا عن كتابة واحدة أو اثنتين من الكتابات الباهتة جدًّا لأشخاص كان لديهم صلة شخصيّة ومهنيّة معها.
لا يهدف هذا المقال إلى تحليل أعمال سميحة حسنين بشكل رسميّ ولا إلى تأمّلها أو التعمّق بها، ربّما سيكون هذا موضوعاً لمقال آخر. إنّما يهدف فقط للإشارة إليها والتأكّد من إعادة ترديد اسمها والإرث الّذي تركته في تاريخ التّصميم الجرافيكيّ.
سميحة حسنين، والمعروفة أيضًا باسم بهيرة حسنين علي سالم، هي فنّانة/مصمّمة مصريّة ولدت عام 1926. تلقّت تعليمها في أكاديميّة خاصّة للرّسم والتّصوير في مصر. انضمّت سميحة إلى مطبعة دار الهلال عندما كانت في العشرينات من عمرها، وعملت هناك لمدّة نصف قرن على العديد من الأغلفة والرّسومات التّوضيحيّة للكتب والمجلّات على حدّ سواء.
كانت سميحة حسنين الزّوجة الأولى لسعد الدّين وهبة، ولهذا السّبب يُعتقد أنّه قد تم شطبها عمدًا من الذّاكرة الجماعيّة للمجتمع لصالح زوجته الثّانية، سميحة أيّوب.
كانت سميحة – ضمن قلّة من النّساء الفنّانات والمصمّمات – من أوائل النّساء المصريّات الّلاتي دخلن مجال تصميم الأغلفة، وذلك منذ انضمامها لدار الهلال عام ١٩٤٧. حصلت سميحة على لقب “ملكة تصميم الغلاف” من قبل السّيدة صافي ناز كاظم، كاتبة وناقدة مصريّة. لكن وعلى الرّغم من مساهماتها في هذا المجال، إلّا أنّه قد تمّ تشويهها عمداً حتّى قبل وفاتها.
إليك سميحة، نحن لا نعرف الكثير عنك بعد، لكنّنا سوف نعرف، وهذا وعد.
* سيكون هذا المقال متجدّداً وسيتمّ تحديثه بمزيد من المواد عند توفّرها.